المرأه هاجس الصحونجيين والعلمانيين والليبراليين ..
ليس بالسعي لإنتزاع حقوقها والوجبات .. اهتامامهم بالتوافه من الأمور
سواقه وحجاب مابين تضييق وتشدد وانفتاح
إسترعاني هذا الرد من أحد الأخوات ووقفت عنده لبرهة اتأمل صياغته التي تعتمد على تشتيت ذهن القارئ وذلك بتمييع الموضوع وجعله أهون من أن يتم نقاشه في ظل وجود ما هوَ أهم منه ، وأنا هنا لا أتهم الزميلة العزيزة بتعمد ذلك (حاشاها) لأن هذه الإجابة المعلبة والجاهزة دائماً ما تتطرق للذهن تلقائياً بمجرد أن يقوم شخص ما بالحديث عن المرأة وحقوقها المهضومة في هذا المجتمع ذي الخصوصية البالغة التعقيد.وفي هذا الموضوع سنحاول سويّاً أن نقتلع هذه الإجابة من وعي الفرد السعودي وخصوصاً المرأة السعودية ، ولن يتم لنا ذلك إلا بمعرفة القيم الفردية وطريقة تأثيرها في السلوك الإجتماعي.
الآن عزيزي القارئ عليك أن تتخيل السيناريو التالي :
تخيل أن والدتك أعطتك قبل وفاتها بلحظات مسبحة قديمة ومهترئة لا تفارق أناملها حتى إصطبغت برائحتها
وبعد دفنها أتاك شخص وطلب منك أن تبيعه تلك المسبحة ، فكم ستقدر ثمناً لها ؟
هل سيكفيك مال الأرض للتنازل عنها وقد دفنت صاحبته قبل دقائق ؟
قد تستغنى عن أغلى ما تملك مادياً في سبيل الحفاظ على ما تراه أنت في وجدانك أغلى معنوياً
إسأل نفسك ، مالذي جعل لتلك المسبحة هذه القيمة العظمى عندك رغم أنها لا تساوي شيئاً عند غيرك ؟
هذا تماماً ما يحصل في المجتمع السعودي
هناك بعض الأمور أخذت قيمة عظمى رغم أنها لا تساوي شيئاً
وأمور أخرى تستحق الجهاد من أجلها ولكنها تأخذ قيماً دنيا في وجدان الشعب
الشعوب المتقدمة تحترم الحريّات وتعتبر إتهاكها إنتهاكاً لأعظم القيم والحقوق لأفرادها وقد يشتعل الشارع الأوروبي لمجرد أن الحكومة تريد وضع ضوابط لحرية النشر الصحفي
في المقابل عندنا قد يسجن الفرد وتصادر حريته ويتم قمعه ولا يتحرك المجتمع ، بينما قد يغلي الشارع السعودي ويفور أفراده لمجرد أن فتاة تطالب بنزع الحجاب أو حرقه أو المطالبة بقيادة السيارة كما فعلت ( منال الشريف )
ما الذي جعل للحرية قيمة صغرى وللحجاب قيمة عظمى ؟
مالذي يجعل الفرد فينا يستسلم طائعاً لأفراد الهيئة ويذهب للصلاة مكرهاً رغم أنه (((حرٌ))) في تأديت هذه الفريضة في البيت أو في أي مكان وليس لأحد الحق في إلزامه بها ؟إن طريقة التربية التي ننشأ عليها لها دور كبير في غرس هذه الأمور في الوعي ، فطفلة صغيرة يتم إلزامها بالحجاب وهي لم تبلغ الحلم بعد لهو أكبر جناية يمكن ان تمارس ضدها ، وهي تستسلم للحجاب طائعة معتقدة أن هذا ما يجب أن تكون عليه كون المجتمع المحيط حولها ينظر للحجاب بنظرة التبجيل والأحترام
فالأهم هو أن تلبس الحجاب وتغطي شعرها في هذه السن

وفي الوجه الآخر ينشأ الطفل على مصادرة حريته ويتلقى الأوامر طيلة اليوم من والديه فإن دخل المدرسة أغرقناه بالكتب الدينية والتي تستند على خطاب الترغيب والترهيب والحلال والحرام وإفعل ولا تفعل والجنة والنار والمسلم والكافر ، فإن كبر تحول إلى أكبر مصادر للحريات ومنافح أبدي للرأي الأوحد مما تعلمه وهو صغير
فإن كان للحجاب هذه القيمة العظمى فالأولى بالمجتمع الإصلاحي أن يبدأ منه ، فهو ليس من توافه الأمور كما يدّعي البعض بل إنه أساس أي عملية إصلاحية للمجتمع كونه عائقاً متيناً وسداً منيعاً في وجه عمل المرأة وقيادتها
فإن إنهار الحجاب وأخذ قيمته من حيث هوَ حريه فردية تلتزم به من ألزمت نفسها دون وصاية من أهل أو مجتمع كان سقوط ما يليه هيناً وسهلاً حتى تأتي المطالبة بالحريات آخرها
فإن كان للمجتمع حريّة في الرأي فقد نجد من يقدم حلولاً ممكنة لقيادة المرأة كأن نفتح المجال لإستقدام سائقات أجرة يحلون مكان السائقين الذكور بعد ترحيل الفائض منهم ويكون عملهنّ محصور في الأسواق لإيصال من تريد (من وإلى بيتها) ومن تريد السفر من مدينة إلى مدينة وليس لديها من يوصلها إلى وجهتها ولا تحمل معها إلا النساء والأطفال في المشاوير داخل المدينة ، ويمنعها المرور من حمل الذكور ويتم ترحيلها وتغريم الشركة إن هي خالفت ، حتى يتعوّد المجتمع على رؤية المرأة خلف المقود طيلة اليوم ومن ثم يمكننا بعدها إحلال المرأة السعودية بدل الأجنبيّة على طريقة سعودة سائقات الليموزينات الأنثوية ، فإن تم ذلك فإن المجتمع سيتقبّل قيادة المرأة لسيارتها الخاصة دون أن يرهبه رجال الدين والمتزمتين ممن يريدون إيقاف عجلة المجتمع
إن الحجاب ليس من توافه الأمور بل هوَ أساس المشاكل كونه يحمل قيمة عظمى في وجدان الرجل السعودي ، وإن كنّا نريد للمجتمع الإصلاح والخير فعلينا أن ننزله إلى قيمته الحقيقية ونرفع من قيم الحريّات بدلاً عنه ... هذا والله من وراء القصد