الاثنين، 18 يناير 2010

إمكانية البعث




تخيل معي أنك تعرضت لحادث أدى إلى بتر يدك وأن الأطباء كانوا يملكون تقنية فائقة بإستطاعتها إعادة اليد المبتورة دون أي أثر وكأن شيئاً لم يكن فهل يمكننا أن نقول أن ما تم أعادته إليك هي يدٌ أخرى ؟ أم أنها ذات اليد ؟
تخيل الآن أن البتر حصل ليديك ورجليك !
تخيل الآن أن البتر حصل بشكل ثلاثي لكلٍ من يديك ورجليك !!
تخيل ما هوَ أكبر الآن وهو أنك دخلت إلى مفرمة ثم أستطاع الأطباء أن يعيدوا كل جزء إلى موضعه بالضبط دون أي أثر لغرز أو جراحة ( لمسة سحرية من تقانة أدنى من النانو مثلاً وصورة من بصمة الخلايا ومواقعها في أرشيفك الشخصي قبل دخولك للمفرمة ) فهل أصبحت الآن شخصاً آخر أم أنك ذات الشخص بكينونته وبكل تفاصيله ؟
عامل الزمن مهم جداً هنا ولهذا يجب علينا أن نتخيل عدم موتك رغم دخولك إلى المفرمة (بمعنى أن الزمن هنا هوَ كمٌ متصل ). 

الإنسان ليس مجرد مادة منفردة بل وعي وإدراك نتيجة لتراكب المادة فطالما أن الإدراك كان مستمراً دون إنقطاع قبل الفرم وما بعده فإن تخيّل بقائه دون تخلله بالعدم يصبح أمراً ممكناً ، فالعدم ( تفكك المادة عن مضيفها وإنقطاع زمانه ) هوَ ما يجعل من إعادة الشيء أمراً مستحيلاً.
يبدو أننا نسير بشكل سليم حتى الآن.

(((دعنا نرجع بالزمن الآن إلى عصر النبوة)))
فإن أخذنا القرآن كوثيقة تاريخيّة تنقل لنا معارضات قريش للنبي في مسألة إعادة الموتى فإننا نجد توثيق ما ذكروه على النحو التالي :
وَضَرَبَ لَنَا مَثَلا وَنَسِيَ خَلْقَهُ قَالَ مَنْ يُحْيِي الْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ (يس)
وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَئِذَا كُنَّا تُرَابًا وَآبَاؤُنَا أَئِنَّا لَمُخْرَجُونَ (النمل)
أغلب الآيات التي تتسم بتوثيق تلك المعارضات لا تخرج عن مفهوم قريش عن الموت وهوَ تحلل الجسد إلى عظام وتراب ، ولو أنهم تطرقوا إلى تناثر مكونات الإنسان في كائنات أخرى لذكرها محمد ( عليه السلام ) في قرآنه وذكر بعدها آيات للرد عليها ، هذا إن سلمنا جدلاً بأنه هوَ كاتب القرآن ....
ولكننا إن بحثنا عن أيات من تلك النوعيّة فإننا لن نجدها وذلك لسبب بسيط وهوَ أنها لم تخطر ببالهم أو أنها أكبر من تفكيرهم في تلك الفترة ، فهم لم يتحدثوا عن تخلل الزمن بالعدم كون الزمن جزء من تشخيص الكائن الحي بل تعجبوا من إحياء من أصبح وجوده عبارة عن عظام وتراب.

(((لنرى كيف عالج القرآن قضيّة البعث للجسد بعينه)))
سورة كاملة في القرآن تسمّى سورة البقرة ، وبرغم أن تلك السورة تحدثت عن أمور عقائدية في غاية الأهميّة وتحتوي على أطول آية في القرآن - آية الدَين - وتضم أيضاً - آية الكرسي - عظيمة الشأن ، برغم ذلك فإننا نجد أن تسميتها أخذت ( بضم الألف ) من حادثة عابرة في قصة موسى مع بني إسرائيل فلنقرأ تلك الحادثة من القرآن
يقول الحق سبحانه وتعالى :
وَإِذْ قَتَلْتُمْ نَفْسًا فَادَّارَأْتُمْ فِيهَا وَاللَّهُ مُخْرِجٌ مَّا كُنتُمْ تَكْتُمُونَ فَقُلْنَا اضْرِبُوهُ بِبَعْضِهَا كَذَلِكَ يُحْيِي اللَّهُ الْمَوْتَى وَيُرِيكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ
هذا الآية تدخلنا في ما يسمى بقضية الآكل والمأكول و أظن أن الآية من سورة البقرة تتحدث عن هذه المسألة تحديداً فتعطينا فكرة عن الطريقة التي ستبعث بها الأجساد ( كَذَلِكَ يُحْيِي اللَّهُ الْمَوْتَى ) فإعادة الحياة لتلك النفس التي قتلت مُرتهن بموت بقرة مخصوصة بعينها وليس كما قالوا لنا ( إنْ ذبح بنو إسرائيل أي بقرة دون الدخول في التفاصيل لكفتهم ) فالحق سبحانه أرادها بصفات محددة منذ البداية كي تصل فكرة البعث المتراكب لمن يعقل ويتدبّر فختم الآية بقوله ( وَيُرِيكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ )

خذ مثال آخر في قصة إبراهيم مع الطير ، فرغم أن بعث الطائر الواحد يفي برد السؤال إلا أن الله طلب منه أربعة من الطير لكي يري كيف يعود كل جزء منها إلى طائره وكيف تتراكب وتدب فيها الحياة.

مادة كل شخص منّا لا تفنى وإن كانت على مستوى الكواركات فهذه مسلّمة عند أصغر دارس للعلوم فالعدم مفهوم ذهني ليس له وجود في أرض الواقع ، فجسد سيمبا عبارة عن تراكب من مليارات المواد التي دخلت في تركيب المليارات من الحيوانات والنباتات والجمادات في الزمن السابق ولو تمعنّا قول الحق في الآية من سورة يس نجد توضيحاً لهذا المعنى بشكل عظيم (وَضَرَبَ لَنَا مَثَلا وَنَسِيَ خَلْقَهُ قَالَ مَنْ يُحْيِي الْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنشَأَهَا أَوَّلَ مَرَّةٍ وَهُوَ بِكُلِّ خَلْقٍ عَلِيمٌ)
فالعلم هنا هوَ علمٌ شمولي بدلالة اللفظ (عليم) على وزن (فعيل) والتي تأتي للدلالة على المبالغة في الصفة ، فيعلم الله منتهى كل ذرة من ذراتك فما دونها وأين أصبحت ( يعلم مستقرها ومستودعها ) ، إن كانت في بقرة أو زهرة إو في طوبة إن كانت في باطن الأرض أو في جو السماء (يَأْتِ بِهَا اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ لَطِيفٌ خَبِيرٌ) ويعلم مواضعها وأين كان موقعها تحديداً في بدنك لتتراكب وتتخلّق على هيئتها التي كانت عليها ثم تتراكب في بدك في أماكنها وعلى حالتها قبل موتك فيكون هوَ ذات الجسد بعينه لا تكراراً أو نسخة عنه ....

(((حتى هذه اللحظة يكون عامل الزمن المنقطع هوَ المعضلة الباقيّة)))
ولكن قبل التطرق لهذه المسألة يجب أن نأتي بدليل قاطع على أن البعث يكون على دفعات وليس مجملاً حتى ندعم ما ذكرنا سابقاً ونحيل قضيّة الآكل والمأكول إلى سراب
( فإن كان جسد سيمبا قبل الوفاة يحمل شيئاً يخصّ غيره فلن يبعث سيمبا قبل أن يبعث من هوَ سابقٌ لهُ في الخلق ) بمعنى أن البعث للحساب بذات الأبدان يتم حسب التسلسل الزمني على الأرض.
وهنا ستبرز لنا هذه الآيات لتؤكد هذا المعنى
من سورة (ص)
هَذَا فَوْجٌ مُّقْتَحِمٌ مَّعَكُمْ لا مَرْحَبًا بِهِمْ إِنَّهُمْ صَالُوا النَّارِ قَالُوا بَلْ أَنتُمْ لا مَرْحَبًا بِكُمْ أَنتُمْ قَدَّمْتُمُوهُ لَنَا فَبِئْسَ الْقَرَارُ
أظن أنها واضحة وضوح الشمس في رابعة النهار.
وكذلك الآيات من سورة (الأعراف)
قَالَ ادْخُلُواْ فِي أُمَمٍ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِكُم مِّن الْجِنِّ وَالإِنسِ فِي النَّارِ كُلَّمَا دَخَلَتْ أُمَّةٌ لَّعَنَتْ أُخْتَهَا حَتَّى إِذَا ادَّارَكُواْ فِيهَا جَمِيعًا قَالَتْ أُخْرَاهُمْ لأُولاهُمْ رَبَّنَا هَؤُلاء أَضَلُّونَا فَآتِهِمْ عَذَابًا ضِعْفًا مِّنَ النَّارِ قَالَ لِكُلٍّ ضِعْفٌ وَلَكِن لاَّ تَعْلَمُونَ
وكذلك الآيات من سورة ( الزمر)
وَسِيقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى جَهَنَّمَ زُمَرًا حَتَّى إِذَا جَاؤُوهَا فُتِحَتْ أَبْوَابُهَا وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِّنكُمْ يَتْلُونَ عَلَيْكُمْ آيَاتِ رَبِّكُمْ وَيُنذِرُونَكُمْ لِقَاء يَوْمِكُمْ هَذَا قَالُوا بَلَى وَلَكِنْ حَقَّتْ كَلِمَةُ الْعَذَابِ عَلَى الْكَافِرِينَ.

(((الآن ماذا عن الزمن ؟)))
ما أنا متيّقن منه أن الموت إتصال وليس إنقطاع فزمن الميت محسوب عليه وإن كان لا يشعر به كالنائم تماماً فوصف الموت في آيات القرآن وصف له دلالة ومعنى ، فالموت حسب العُرف السائد عندنا هوَ إنتهاء الحياة وإنقطاعها بينما الحق يجعل الموت نوعاً من أنواع النوم ويضع له تصوّراً مبدئياً في قصة أهل الكهف فجعل القيام من النوم في تلك الآية بعثاً.
وَكَذَلِكَ بَعَثْنَاهُمْ لِيَتَسَاءَلُوا بَيْنَهُمْ قَالَ قَائِلٌ مِّنْهُمْ كَمْ لَبِثْتُمْ قَالُوا لَبِثْنَا يَوْمًا أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ قَالُوا رَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَا لَبِثْتُمْ
ومن سورة الزمر نقرأ الآية :
اللَّهُ يَتَوَفَّى الأَنفُسَ حِينَ مَوْتِهَا وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنَامِهَا فَيُمْسِكُ الَّتِي قَضَى عَلَيْهَا الْمَوْتَ وَيُرْسِلُ الأُخْرَى إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ
هنا نرى أن الموت والنوم يشتركان في الوفاة والفرق بينهما أن النفس في الأولى يتم إمساكها ( فتسمى موتاً ) وفي الثانية يتم إرسالها ( فتسمى نوماً )
فإن كان الإنسان لا يفقد ذاته في كل مرّة يقوم فيها من نومه فإن النفس البشريّة كما رسم ملامحها القرآن لا تعدم (بضم التاء ) حين الموت بل يتم إمساكها من العودة بعد أن يتوفاها الله من الجسد لتعاد إلى ذات الجسد بعينه يوم القيامة ولا تشعر بإنه قد تم إمساكها ولا إن كانت المدة المنقضية ثلاثمئة سنين وإزدادوا تسعاً كما في أهل الكهف أو 1000 قرن من الزمان حتى يوم القيامة ، فزمانها بناءاً عليه زمناً متصلاً وليس منقطعاً كما وأن زمن كل ذرة في الجسد الذي ستعود إليه بعد حين هوَ أيضاً زمناً متصلاً وليس منقطعاً حتى وإن دخلت في تركيب المليارات من المخلوقات سواها عبر سيرورتها في الوجود الدنيوي وهذا ما أؤمن به يقيناً من كلام القرآن والذي يشهد بأنه ليس من كلام محمد ، لأن تصور المسألة بهذه الطريقة التي لا تتعارض مع المنطق الفلسفي فوق مستوى علمه.

(((الآن دعونا نتخيل عملية البعث)))
بعد موت الإنسان لا ينقطع زمانه بل يبقى كماَ متصلاً ويدخل في سبات عميق.
ذراته التي تحللت وتناثرت لا ولن تفني خلال سيرورتها في الوجود ... وهذا أمرٌ مسلّم به.
عندما يحين موعد البعث للأجساد فإنها تسير وفق التسلسل الزمني على الأرض فإن كان في جسدك شيئاً يخصّ رجلاً عاش قبلك بمائة الف عام فإنك لن تبعث حتى يبعث هوَ أولاً للحساب.
حينما يتم بعث الجسد فإن الذرات تتراكب على ذات الهيئة التي كانت عليها ومن ثم تتراكب في مواضعها تماماً في بدن الشخص مشكلة بذلك الجسد بعينه لا نسخة منه.
النفخة الأخرى من الصور يتم فيها إطلاق الأنفس التي تم إمساكها حسب تسلسلها الزمني على الأرض من الأقدم فالأحدث.
زمن الذرات كم متصل مثلها مثل النفس التي قبضت حين الموت وعندما تعود النفس إلى جسدها يفتح الميت عينيه فيقوم كأن لم يلبث إلا ساعة من نهار كالنائم الذي لا يدرك الزمن ( كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَهَا لَمْ يَلْبَثُوا إِلاَّ عَشِيَّةً أَوْ ضُحَاهَا ).
فمن هنا نجد أن محمداً قد قدم لنا تصوراً ليوم القيامة لا يعارض شيئاًَ من مفاهيم الفلسفة فالنفس في القرآن لم ولن تدخل في العدم بإنقطاع الزمن حتى تعود منه مرة أخرى كما وأنها لن تدخل في بدنٍ مشابه أو مكرر عن الأصل بل إلى ذات البدن بعينه.

الآن إسأل نفسك كملحد مالذي يجعل محمداً يتطرق إلى مسائل من هذا النوع لم يذكرها اهل مكة أو من كانوا في زمانه ؟
لماذا إعتبر الموت نوماً ولم يوافقهم على كون الموت فناءاً وعدماً ؟ لماذا لم يترك الأمر لقدرة الله في الإحياء مرّة أخرى وهو القادر على كل شيء ؟
لماذا يجعل البعث حسب التسلسل الزمني الأرضي فيدخلون زمراً زمراً وأفواجاً أفواجاً ؟

لماذا قدّم لنا أحد أهم المعضلات الفكريّة بهذا الطرح البعيد كل البعد عن قدرة الله العظيمة ؟
حاول أن تجيب على هذه الأسئلة ثم إسأل نفسك أين هوَ موضع ( الأنا ) فيك ؟

أترك الإجابة لكم

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

أضف تعليق