فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ
الأمر والنهي ثنائية تتألف من ضدين نجدها كثيراً في القرآن ، نذكر منها : الليل والنهار ، الجنة والنار ، الثواب والعقاب .. إلخ
والأمر والنهي ثنائية من أربع ثنائيات تشكل المعيار القرآني الناظم للسلوك الإنساني ، هي :
1- الحلال والحرام
2- الأمر والنهي
3- السماح والمنع
4- الحسن والقبيح
ولعل من أفدح وأخطر ما إنزلق إليه علماؤنا الأفاضل ، ويصرون على سحب الأمة معهم إليه ، هو أنهم يخلطون خلطاً عجيباً بين هذه النواظم الأربع ، فالحلال عندهم هو المباح والمستحسن والمأمور به ، والحرام عندهم هو المستقبح والممنوع والمنهي عنه
من هنا لابد ،قبل أن ندخل في موضوع الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر أن نعرّف كلاً منهما
((الأمر))
الأمر يأتي بعدة معانٍ
بفتح الهمز وسكون الميم يأتي بمعنى :
1- طلب القيام بفعل أو قول يصدر من متكلم إلى مخاطب كقوله تعالى ( إنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَن تُؤَدُّواْ الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا)
2- الحال والشأن كقوله تعالى ( فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ )
أمّا بكسر الهمزة وسكون الميم فيأتي بمعنى :
القول أو الفعل الشنيع المنكر كقوله تعالى ( قَالَ أَخَرَقْتَهَا لِتُغْرِقَ أَهْلَهَا لَقَدْ جِئْتَ شَيْئًا إِمْرًا )
وكيفما نظرنا إلى مفردة الأمر في القرآن وتأملنا مواضعها نلحظ فيها إرتباطاً جدلياً بثنائية ( الطاعة والمعصية ) ، إذ بدون الأمر والنهي لا وجود للطاعة ولا للمعصية
والملاحظة المهمة الأخرى والتي يجب أن نضع تحتها مليار خط هي أن الأمر والنهي بالنسبة للطرف المخاطب المأمور مسألة إختيارية ، إن شاء أطاع المطلوب منه فنفذه وإن شاء عصى على المطلوب وإمتنعولعلنا نذكر لعلمائنا الأفاضل والذين يريدون سوق الناس بالترهيب إلى طاعة الأوامر الإلهية إلى أن أول من عصى الأمر هو أبونا آدم وزوجه حين عصيا أول نهي إلهي مشخص صدر لإنسان عاقل في قوله (وَكُلاَ مِنْهَا رَغَدًا حَيْثُ شِئْتُمَا وَلاَ تَقْرَبَا هَذِهِ الشَّجَرَةَ ) وكذلك إبليس حين رفض تنفيذ أول أمر إلهي بالسجود في قوله ( إِلاَّ إِبْلِيسَ كَانَ مِنَ الْجِنِّ فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ)
((النهي))
تدل على الغاية والبلوغ ومنه قولنا : أنهيت إليه الخبر ، أي أبلغته إياه
والنُّهى هو العقل لأنه ينهى عن قبيح القول والفعل
والنهي هو طلب الإمتناع عن قول أو فعل
وما أريد الوصول إليه هنا هو أن النهي كما الأمر مسألة طوعية إختيارية إن شاء إمتنع وإن شاء لم يمتنع بدليل قوله ( قَالَ مَا مَنَعَكَ أَلاَّ تَسْجُدَ إِذْ أَمَرْتُكَ )
وهذا يعني أن الطلب سواءاً كان أمراً أو نهياً لا يمكن أن يصدر إلا من عاقل ولا يصدر إلا إلى عاقل حر له مشيئة إختيارية من غير إكراه
ومن قصة آدم السابقة نستطيع أن نقول : إن آدم عرف ربه بالمعصية لا بالطاعة ، وعبَّر عن حرية اختياره بالرفض لا بالقبول ، وتجلت إرادته الإنسانية الواعية بعصيان نهي ربه له عن الإقتراب من الشجرة ، عصياناً طوعياً اختاره آدم لنفسه دون إكراه
علينا الآن أن نذكر مثالين للفارق بين النهي والتحريم ، ففي مسألة الربا نجد أنه كان نهياً في بني إسرائيل ودليل ذلك قوله تعالى ( وَأَخْذِهِمُ الرِّبَا وَقَدْ نُهُواْ عَنْهُ ) ولكن هذا النهي تحول إلى تحريم ببعثة النبي عليه السلام ودليل ذلك قوله ( وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا )
ومن بعد البعثة المحمدية أقفلت أبواب التحريم نهائياً بالضبة والمفتاح إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها ومن يأتي بعد ذلك ليضيف إلى المحرمات محرمات أخرى فسنقول له حسبك لقد إفتريت على الله ولا يفلح القوم المفترون أبداً
يعني عندما يأتي شيخ بلحية مهما علت منزلته وتبحّر في بطون الكتب ونهل من مناهل التراث ليقول لنا أن التدخين حرام فتأكد حينها أنه بذلك يكون قد إفترى على الله وإن وافقه كل السعوديين على هذه الفتوى فتأكد تماماً يا عزيزي بأنهم لن يفلحون إذاً أبدا وهذا هو واقع مجتمعنا ( وَلاَ تَقُولُواْ لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هَذَا حَلالٌ وَهَذَا حَرَامٌ لِّتَفْتَرُواْ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ لاَ يُفْلِحُونَ )، ولكن في المقابل يمكننا أن نمنع التدخين لمضاره وننهى عن إستخدامه وبذلك يكون الخيار للناس إمّا أن يلتزموا بالمنع فيشتروا عافيتهم وإمّا أن يدخنوا فيمرضوا ولا دخل للحرام والحلال هنا بتاتاً البتة ، بل المسألة بيد القانون لا بيد الشيوخ إن شاء منع إستيرادها وإن شاء تركها وحذّر الناس من مضارها
عودة إلى النهي لنقول :
إن الله ينهى والنبي ينهى والناس تنهى بدليل قوله تعالى ( أَرَأَيْتَ الَّذِي يَنْهَى * عَبْدًا إِذَا صَلَّى )
والنهي كالأمر تماماً في كونهما إختياريان يقوم بهما الشخص طوعاً لا كرهاً
وبعد أن نعي هذا تماماً يمكننا أن نقف عند قوله تعالى ( إِن تَجْتَنِبُواْ كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَنُدْخِلْكُم مُّدْخَلاً كَرِيمًا) وتحديداً عند عبارة ( كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ )
وتعال أخي القارئ إلى واحدة من أعظم المخفيّات عنك من قبل الكهنوت فإن كانوا يعلمون ذلك فأخفوه عنك فتلك مصيبة وإن كانوا لا يعلمون عنها شيئاً كعادتهم فالمصيبة أعظم أداة الشرط ( إن ) لها دلالة ومعنى فهي لا تدخل إلا على الأفعال المشكوك في وقوعها ، أي التي قد تقع وقد لا تقع
فاجتناب كبائر السيئات في آية النساء شرط لتكفيرها ، لكن هذا الإجتناب مرهون بالخيار الإنساني ، قد يقع إن إختار الإنسان الطاعة وقد لا يقع إن إختار المعصية وهذا يؤكد على حتمية التخيير في الفعل ويؤكد إلى ما ذهبنا إليه
وطالما أن هناك كبائر للنهي فهناك بالمقابل صغائر
فإن إستعرضنا القرآن للبحث عن صغائر النهي سنجدها في قوله ( الَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الإِثْمِ وَالْفَوَاحِشَ إِلاَّ اللَّمَمَ إِنَّ رَبَّكَ وَاسِعُ الْمَغْفِرَةِ هُوَ أَعْلَمُ بِكُمْ )
فالكبائر هي المحرمّات في القرآن والصغائر هي النواهي
فالله قد يغفر القبلة بين عاشقين قبل النكاح كما قال جمال البنا كونه من المنهيات ( الصغائر ) ولكن لا يغفر لمن يشرك به لأن الشرك من المحرمات ( الكبائر )
المحرمات في القرآن لا تزيد ولا تنقص وما أتى بعد ذلك في الفتاوي وكتب الفقه ما هو إلا القليل من المنهيات من عصر النبوة حولوها كالعادة إلى محرمات (وهذه تخضع للتغيير بتغيّر الظروف والزمان والمكان) بالإضافة إلى الكثير الكثير الكثير جداً من الإفتراءات على الله زيادة منهم في الأغلال التي تكبل الإنسان وتحد من حريته المكفولة بنص القرآن مخالفين بذلك قول الله (وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالأَغْلالَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ فَالَّذِينَ آمَنُواْ بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُواْ النُّورَ الَّذِيَ أُنزِلَ مَعَهُ أُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) فأي فلاح نرتجيه بعد أن بات المسلم في أغلال تكبل حياته وحركته أكثر من تلك التي كانت في أهل الكتاب قبلنا وهذا بفضل أحبائنا بني مطوع وكتب التراث الصفراء
طيب الكثير منا يقرأ خواتم سورة البقرة كدعاء حيث نقرأ فيها ( رَبَّنَا لاَ تُؤَاخِذْنَا إِن نَّسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا رَبَّنَا وَلاَ تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْرًا كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِنَا رَبَّنَا وَلاَ تُحَمِّلْنَا مَا لاَ طَاقَةَ لَنَا بِهِ وَاعْفُ عَنَّا وَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا ) وننسى في غمرة الدعاء أننا واقعون في أصر وأغلال بمحض إرادتنا إخترعها لنا المفتيين ورجال الدين حتى أصبحت فوق طاقتنا على الإحتمال وهي نتيجة حتمية للسير خلف كل ذي لحية لا يفقه من الدين سوى الترديد والتضييق ، فأي فلاح نرتجيه يا عباد الله .. أترك الحكم لكم
الآن إسأل نفسك السؤال التالي :هل قام الفقهاء بتشويه الإسلام وجعله كتلة من الأغلال فقط ؟، بالطبع لا ، فحتى الله لم يسلم من إفتراءاتهم ، فهم قد قدموا لنا الله على أنه :
إله سادي قبلي مزاجي متعطش للدماء يتلذذ بعذاب الناس ويهوى العيون المقلوعة والأيادي المقطوعة والبطون المبقورة وبدل أن يعلمونا حكمة الوجود المتمثلة بإعمار الأرض كما تقوم بذلك كل الأمم والشعوب على وجها قاموا مشكورين فزيفوا ذلك علينا وقالوا أن حكمة الوجود هي أن نسبحه 33 ونحمده 33 ونكبره 33 على مدار اليوم ولهذا خلقنا
هذا الإله ليس إلهنا ولا أعتقد بأننا بحاجة إلى هكذا إله فهذا الإله يختلف تماماً عن الله الذي وصف نفسه في التنزيل الحكيم حيث ذكر (الرحمن) 57 مرة وكذلك ( غفور رحيم ) ، أمّا (شديد العقاب) فأقل من ذلك وأمّا (جبار ومتكبر) فمرة واحدة فقط ، فسبحان الله عمّا يصفون
أدخلوا في دينه ما ليس فيه نتيجة تمازج الثقافات مع الغزوات اللاحقة فيما بعد العصر النبوي من حديث المعراج إلى الشجاع الأقرع وعذاب القبر وغيره مما لا يتقبله عقل ، بل إن معضمنا قد سمع الحديث الذي يقول ( لا يدخل احد الجنة إلا برحمة الله ) ولا يمكن لإنسان مهما فعل أن يدخل الجنة بعمله ، بينما التنزيل الحكيم يقول (سَلامٌ عَلَيْكُمُ ادْخُلُواْ الْجَنَّةَ بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ) و (تِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتِي أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ ) ... فحسبي الله عما يفترون
أهم مواصفات الفقه والعقيدة التي نشأت :
1- فقه لا يحمل أية صفة عالمية إطلاقاً ، بل الصفة المحلية وهو نسخة معدلة عن الفقه اليهودي
2- لا يحترم الإرادة الإنسانية إطلاقاً ( مثل قتل المرتد)
3- فقه ذكوري بحت ، والمرأة ليست أكثر من شيء
4- الأدلة الشرعية وأدلة الإستنباط بدائية سقط فيها العقل والإرادة الإنسانية
5- ترسيخ الشعور بالدونية تجاه السلف الذي ترسخ وتجذر حتى اليوم وصار جزءاً لا يتجزأ من ثقافتنا
6- إحتقار الحياة الإنسانية وترسيخ العبودية وجعل الحرية من القيم الدنيا والتي لا يطلبها أحد
7- تحولت العقيدة إلى عقيدة بدائية ساذجة على يد أحمد بن حنبل لا تصمد أمام أي منطق وجوابها هو التكفير ، وكان من نتائجها إبن تيمية وإبن القيم ومحمد بن عبدالوهاب
8- ترسيخ الشعور الدائم بالذنب عند الناس وعلى كل من يشعر بحب الدنيا وكره الآخرة أن يستشعرها
9- ثم جاء الغزالي ليغلق باب الفلسفة والعقل تماماً حيث إستقال العقل العربي تماماً وتحول الناس إلى قطيع
(( المعروف والمنكر ))
المعروف له معنيان
الأول : المعلوم والمشهور (وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ )
والثاني : الإحسان والبر والصنيعة يسديها المرء لغيره (إِلاَّ أَن تَفْعَلُوا إِلَى أَوْلِيَائِكُم مَّعْرُوفًا كَانَ ذَلِكَ فِي الْكِتَابِ مَسْطُورًا) وقوله ( وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا)
بالنسبة إلى المنكر : فهو كل ما تحكم العقول الصحيحة بقبحه وكل ما تعارف المجتمع على تركه في معاملاتهم وعاداتهم
وهنا نأتي إلى السؤال الجوهري : كيف نفهم الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر اليوم ، وكيف نطبقه؟
يقول تعالى ( إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ ) فهذه الآية تبين لنا مقادير الأشياء ونهايتها ، وفي السلوك الإنساني هناك نهايات سماها التنزيل (حدوداً) لا يجوز تعديها في بعض المواضع ( تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلاَ تَعْتَدُوهَا ) ولا يجوز الإقتراب منها في مواضع أخرى ( تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلاَ تَقْرَبُوهَا )
فإن كانت حدود نهايات الطعام هو الإسراف حسب قوله ( وَكُلُواْ وَاشْرَبُواْ وَلاَ تُسْرِفُواْ إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ )
فهل هناك حدود للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لا يسمح بتجاوزها ؟
يقول الحق سبحانه ( وَلَوْ كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لاَنفَضُّواْ مِنْ حَوْلِكَ ) .. الفظاظة والغلظة هو الحد الأول والذي إن وصل إليه الإنسان في الأمر والنهي يكون قد تجاوز حدود الله
ويقول الحق سبحانه ( لاَ إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَد تَّبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ ) ويقول أيضاً ( وَقُلِ الْحَقُّ مِن رَّبِّكُمْ فَمَن شَاء فَلْيُؤْمِن وَمَن شَاء فَلْيَكْفُرْ ) .. فالإكراه بمقتضى ذلك سيكون هو الحد الثاني
فكيف نطبق الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في عصرنا الحالي واضعين نصب أعيننا هاذين الحدين ؟لكي نعرف كيفية تطبيق هذا الشعيرة علينا أن نتحدث عن أنواع السلطات ونحدد من خلالها في أي سلطة يمكنها أن تندرج
قلنا أن الإكراه غير موجود في الدين من أي ناحية حسب آية البقرة
ولكننا عند الحديث عن السلطة فإننا نجد الإكراه موجوداً فالسلطة التي لا تملك أداة الإكراه هي ليست سلطة أصلاً
فكيف نوفق بين هذين الأمرين ؟
الأمر لا يحتاج إلى الكثير من الجهد لأن العالم برمته قام بفصل السلطة المركزية إلى عدة سلطات ، فبات لدينا ما يعرف بالسلطة التشريعية والتي لا تملك أداة الإكراه وتأخذ شرعيتها من الناس ، والسلطة التنفيذية والتي تملك أداة الإكراه لتقوم بتطبيق التشريعات التي صدرت من السلطة السابقة ، ونحتاج إلى سلطة ثالثة للتحكم بعمل السلطتين السابقتين ، وهنا نجد السلطة القضائية في جزئية المحكمة الدستورية
وعندما نحاول زج شعيرة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في أحد هذه السلطات سنجد أنفسنا نتجاوز أحد الحدين الذين ذكرناهما سابقاً ، فالسلطة التشريعية لا تملك أداة الإكراه ولكن ما سيصدر منها سيمرر إلى السلطة التنفيذية لتكره الناس عليها وبهذا فكلا السلطتين لا تنفعان لتمارس شعيرة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من خلالهما ، والسلطة القضائية بدون أدنى شك تملك أداة الإكراه ............
فما العمل ؟
هنا لن نجد أمامنا إلا السلطة الرابعة لتكون هي الحاضن لهذه الشعيرة
والسلطة الرابعة هي (((( سلطة الكلمة )))) أو ما يعرف بالنشر سواءاً كان مقروءاً كالصحافة أو مسموعاً كالإذاعة أو مرئياً كالتلفزيون
سلطة الكلمة هي سلطة لا تملك أداة الإكراه بتاتاً (وهي ما نبحث عنها ) ومن خلالها يمكن للإنسان أن يأمر وينهى وتبقى مسألة الإلتزام متروكة للضمير دون إكراه
وكل مؤسسات الدولة تقوم بشعيرة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وهي ليست موقوفة على الميديا فقط
فالبلدية على سبيل المثال عندما تضع لافتات تحرض فيها الناس على الإلتزام برمي القمامة في أماكنها المخصصة هي تقوم بهذه الشعيرة ، الكتاب الصحفيين عندما يكتبون عن ظاهرة سيئة متفشية في المجتمع هم في حقيقة الأمر بعملون بهذه الشعيرة ... وقس على ذلك كل الأمور
ولا أدري حقيقة من أين إخترعوا لنا جهازاً قمعياً يكره الناس على العبادة والطاعة والإلتزام بالعصي والعقوبات وتحويل المضبوطين إلى الشرطة ومن ثم إلى السجن ثم إختزلوا هذه الشعيرة فيهم وقالوا أن الله أرادها هكذا رغم أنها لا تليق به أبداً وتتعارض مع معناها ومضمونها بشكل سافر ووقح وتدك أول أساس في الدين (وهو عدم الإكراه)
يا من تتضامنون مع مرتزقة الهيئة وتساندوهم ، إعلموا أنكم إنما تساندون جهة قمعية ليس لها من الدين شيء
وتأكدوا بأن الله سيسألهم يوم القيامة من أين إستمدوا شرعيتهم لإكراه الناس وترويعهم ، فلا تكونوا ظهيراً لهم ، وإتقوا الله في دينه ودعوا الخلق للخالق إن شاء غفر لهم وإن شاء عذبهم ( أَفَأَنتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُواْ مُؤْمِنِينَ )
نقلاً بتصرف عن كتاب ( تجفيف منابع الإرهاب ) للمفكر محمد شحرور
والله من وراء القصد
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
أضف تعليق